ولما أخبر سبحانه من استقامة طريق نبيه عليه الصلاة والسلام مما ثبتت رسالته بما أوحي إليه وما أراه من آياته التي ظهر بها استحقاقه سبحانه الإلهية متفرداً بها، سبب عنه الإنكار عليهم في عبادة معبوداتهم على وجه دال على أنها لا تصلح لصالحة فقال:{أفرأيتم} أي أخبروني بسبب ما تلوت عليكم من هذه الآيات الباهرات. هل رأيتم رؤية خبرة بالباطن والظاهر {اللاّت} وهو صنم ثقيف {والعزى} وهي شجرة لغطفان وهما أعظم أصنامهم فإنهم كانوا يحلفون بهما {ومناة} وهو صخرة لهذيل وخزاعة، ودل على أنها عندهم بعدهما في الربوبية بقوله مشيراً بالتعدد بالتعبير عنه بما عبر به إلى أن شيئاً منها لا يصلح لصالحة حتى ولا أن يذكر:{الثالثة الأخرى *} أي إنه ما كفاهم في خرق سياج منها العقل في مجرد تعديد الإله بجعله الاثنين حتى أضافوا ثالثاً أقروا بأنه متأخر الرتبة فكان الإله عندهم قد يكون سافلاً ويكون ملازماً للإنزال وللسفول بكونه أنثى، قال الرازي في اللوامع: وأنثوا أسماءها تشبيهاً لها بالملائكة على زعمهم بأنها بنات الله - انتهى، ولا شك عند من له أدنى معرفة بالفصاحة أن هذا الاستفهام الإنكاري والتعبير بما شأنهم بالولادة التي هي أحب الأشياء إلى الإنسان بل الحيوان لا يوافقه أن يقال بعده ما يقتضي مدحاً بوجه في الوجوه، فتبين بطلان ما نقل نقلاً واهياً من أنه قيل حين قرئت هذه السورة في هذا المحل: تلك الغرانيق العلا - إلى آخره لعلم كل عربي أن ذلك غاية في الهذيان في هذا السياق، فلا وصلة بهذا السياق المعجز بوجه.