ولما انقضى الدليل على أن قلوبهم منكرة استكباراً وما يتعلق به، وختمه بما أحيا به القلوب بالإيمان والعلم بعد موتها بالكفر والجهل، وكان المقصود الأعظم من القرآن تقرير أصول أربعة: الإلهيات، والنبوات، والمعاد، وإثبات القضاء والقدر والفعل بالاختيار، وكان أجل هذه المقاصد الإلهيات، شرع في أدلة الوحدانية والقدرة والفعل بالاخيتار المستلزم للقدرة على البعث على وجه غير المتقدم ليعلم أن أدلة ذلك أكثر من أوراق الأشجار، وأجلى من ضياء النهار فعطف على قوله:{والله يعلم ما تسرون وما تعلنون} قوله جامعاً في الدليل بين العالم العلوي والعالم السفلي: {والله} أي الذي له الأمر كله {أنزل من السماء} في الوقت الذي يريده {ماء} بالمطر والثلج والبرد {فأحيا به الأرض} الغبراء. ولما كانت عادته بذلك مستمرة، وكان السياق لإثبات دعائم الدين، وكان الإحياء بالماء لا يزال أثره قائماً في زرع أو شجر في بعض الأراضي، أعرى الظرف من الجار لأن المعنى به أبلغ فقال:{بعد موتها} باليبوسة والجدب وتفتت النبات أصلاً ورأساً.
ولما كان ما أقامه على ذلك في هذه السورة من الأدلة قد صار إلى