ولما حكى عنهم ما لا يقوله ذو إيمان أتبعه ما لا يتخيله ذو مروة ولا عرفان فقال مبيناً للذين نافقوا:{الذين قالوا لإخوانهم} أي لأجل إخوانهم والحال أنهم قد أسلموهم {وقعدوا} أي عنهم خذلاناً لهم {لو أطاعونا} أي في الرجوع {ما قتلوا} ولما كان هذا موجباً للغضب أشار إليه بإعراضه في قوله: {قل} أي لهؤلاء الأجانب الذين هم بمنزلة الغيبة عن حضرتي لما تسبب عن قولهم هذا من ادعاء القدرة على دفع الموت {فادرءوا} أي ادفعوا بعز ومنعة وميّلوا {عن أنفسكم الموت} أي حتى لا يصل إليكم أصلاً {إن كنتم صادقين} أي في أن الموت يغني منه حذر. فقد انتظم الكلام بما قبل الجملة الواعظة أتم انتظام على أنه قد لاح لك أن ملائمة الجمل الواعظة لما قبلها وما بعدها ليس بدون ملاءمة ما قبلها من صلب القصة لما بعدها منه.
ولما أزاح سبحانه وتعالى العلل وشفى الغلل وختم بأنه لا مفر من القدر، فلم يبق عند أهل الإيمان إلا ما طبع عليه الإنسان من الأسف على فقد الإخوان، وكان سرور المفقود يبرد غلة الموجود بشرهم بحياتهم وما نالوه من لذاتهم؛ ولما كان العرب بعيدين قبل الإسلام