تمام القدرة المستلزم لشمول العلم اللازم منه التنزه عن كل شائبة نقص، وكان سبحانه قد ذكر التسبيح الذي هو الأعظم الأشهر للتنزيه بلفظ الماضي ثلاث مرات في افتتاح ثلاث سور، وذلك نهاية الإثبات المؤكد، فثبت بذلك أنه وقع تنزيهه من كل ناطق وصامت، أخبر أول هذه السورة أن ذلك التنزيه على وجه التجديد والاستمرار بالتعبير بالمضارع لاستمرار ملكه فقال:{يسبح} أي يوقع التنزيه الأعظم الأبهى الأكمل {لله} أي الملك المحيط بكل شيء قدرة وعلماً، وأكد بذلك لما في التغابن ولم يحتج بعد الإقرار بالوقوع على هذا الوجه إلى التأكيد بأكثر من مرة وجعل بين كل مسبحتين سورة خالية من ذلك ليكون ذلك أدل على قصد التأكيد من حيث شدة الاعتناء بالذكر، وإن وقع فصل ويكون التأكيد أكثر تنبيهاً وأعظم صدعاً وتذكيراً.
ولما كان تقريع العاقل الناطق بطاعة الصامت أعظم، قال:{ما في السماوات} وإن كان العاقل يدخل في ذلك ما عليه فيكون تسبيحه تارة طوعاً موافقة للأمر، وتارة كرهاً بالانقياد مع الإرادة، وتسبيح الصامت طوعاً في كل حال. ولما كان الخطاب مع الذين آمنوا، دعا ذلك إلى التأكيد لاحتياجهم إليه فقال:{وما في الأرض} كذلك.