الستور والحجج جمع معذار، وذلك لاشتراكهما في مطلق الستر بالفتح والستر بالكسر في ستر المذنب والحجة في ستر الذنب فالمعنى أنه حجة على نفسه ولو احتج عنها واجتهد في ستر عيوبها، فلا تقبل منها الأعذار، لأنه قد أعطى البصيرة فأعماها بهون النفس وشهواتها، وتلك البصيرة هي نور المعرفة المركوز في الفطرة الأولى وهي كقوله تعالى:{لا ينفع الظالمين معذرتهم} .
ولما كان معنى هذا كله أن الإنسان محجوب في هذه الدار عن إدراك الحقائق بما فيه من الحظوظ والكسل والفتور، لما فيه من النقائص، وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مبرءاً من ذلك لخلق الله له كاملاً وترقيته بعد ميلاده كل يوم في مراقي الكمال حتى صار إلى حد لا يشغله عن العلوم شيء فكان بحيث يرى مواقع الفتن خلال البيوت كمواقع القطر، ويرى من ورائه كما يرى من أمامه، ويقول:«والله لا يخفى عليّ خشوعكم ولا ركوعكم إني أراكم من وراء ظهري» وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرى في أشد الظلام وغير ذلك مما له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من رقة الجوهر الذي لم ينله أحد غيره، وذلك مما يدل على الكشف التام ولكنه كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ