وكثرة العلوم مع الاختصار وعدم التكرار، فيكتفي في موضع بالثمرة بلا سبب وفي آخر بالسبب بلا ثمرة لدلالة الأول على الثاني والثاني على الأول، فيضم السبب إلى الثمرة والثمرة إلى السبب كما يطلق القضاء ويكتفى به عن القدر، ويطلق القدر ويكتفى به عن القضاء، وكذلك يذكر الحكم ويتركان فيدل عليهما فتذكر الثلاثة، ويظهر بمثال وهو أن من أراد إقامة دولاب يهندس أولاً موضع البئر بسهمه وترسه ومداره وحوضه الذي يصب فيه المار وجداوله التي ينساق منها، فهذا هندسة وتدبير وحكم وإرادة، فإذا صنع ذلك وأتمه سمي قضاء وإيجاداً وتأثيراً، فإذا ركب على الجبال قواديس تحمل مقداراً من الماء معيناً إذا نزلت إلى الماء أخذته، وإذا صعدت فانتهت وأرادت الهبوط فرغته فتصرف الماء من جداوله إلى ما صنع له كان ذلك قدراً فهو النهاية، فمتى ذكر واحد من الثلاثة: الحكم والقضاء والقدر، دل على الآخر.
ولما كان ما هذا شأنه يهلك على ما جرت به العادة في أسرع وقت، فإذا كان من شأنه مع هذا العظم أنه لا يهلك كان ذلك دليلاً واضحاً على أنه لا يعلم كنه عظمة مقدره إلا هو سبحانه وتعالى فأشار إلى ذلك بالتعبير بأداة التراخي إعلاماً بأن مراتب هذه الشدة في التردد