المبرئة عن العبث، المنزهة عن الخروج عن الحكمة {خير} أي من الدنيا على تقدير التسليم لأن فيها خيراً لأن نعيمها خالص لا كدر فيه بوجه {وأبقى *} أي منها على تقدير المحال في الدنيا من أن تماديها إلى وقت زوالها تسمى بقاء، لأن نعيم الآخرة دائم لا انقطاع له أصلاً، وما كان باقياً لا يعادل بما يغني بوجه من الوجوه، فمن علم ذلك - وهو أمر لا يجهل - اشتغل بما يحصل الآخرة وينفي الدنيا بقسميها من الأعيان الحسية والشهوات المعنوية من الرعونات النفسانية والمستلذات الوهمية، والآية من الاحتباك: ذكر الإيثار والدنو أولاً يدل على الترك والعلو ثانياً، وذكر الخير والبقاء ثانياً يدل على ضدهما أولاً، وسر ذلك أنه لا يؤثر الدنيء إلا دنيء فذكره أولاً لأنه أشد في التنفير، وذكر الخير والبقاء ثانياً لأنه أشد في الترغيب.
ولما كانت هذه النتيجة - التي هي الفلاح بالتزكية وما تبعها - خالصة الكتب المنزلة التي بها تدبير البقاء الأول، وصفها ترغيباً فيها بوصف جمع القدم المستلزم للصحة بتوارد الأفكار على تعاقب الأعصار، لأن ما مضت عليه السنون ومرت على قبوله الدهور تكون النفس أقبل للإذعان له وأدعى إلى إلزامه، وأفاد مع القدم أن المنزل عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس بدعاً من الرسل عليهم الصلاة والسلام بل هو على