وتنبيهاً على أنها، لما لها من عظيم الموعظة، جديرة بأن يتعظ بها كل سامع، ذكر العامل في ظرفها وبدله فقال:{يتذكر الإنسان} أي على سبيل التجديد والاستمرار فيذكر كل ما كان ينفعه في الدنيا وما يضره فيعلم أن حبه للدنيا لم يفده إلا خساراً، لا زاد بحبها شيئاً لم يكتب له ولا كان ينقصه بذلها شيئاً كما كتب له أو بذلها، وإذا تذكر ذلك هان عليه البذل، وليست تلك الدار دار العمل، فلذلك قال:{وأنى} أي كيف ومن أي وجه {له الذكرى *} أي نفع التذكر العظيم فإنه في غير موضعه، فلا ينفعه أصلاً بوجه من الوجوه لفوات دار العمل، ولا يقع بذلك على شيء سوى الندم وتضاعف الغم والهم والآلام.
ولما كان الندم يقتضي أن يعمل الإنسان ما ينافيه، بين أنه ليس هناك عمل إلا إظهار الندم فاستأنف قوله:{يقول} أي متمنياً المحال على سبيل التجديد والاستمرار: {يا ليتني} وهل ينفع شيئاً «ليت»{قدمت} أي أوقعت التقديم لما ينفعني من الجد والعمل به {لحياتي *} أي أيام حياتي في الدنيا أو لأجل حياتي هذه الباقية التي لا موت بعدها، ويمكن أن يكون سبب تمنيه هذا علمه بأنه كان في الدنيا مختاراً، وأن الطاعات في نفسها كانت ممكنة لا مانع له منها في