المكرم المعظم ببيت الله والناس يتخطفون من حولهم، ففعل الله تعالى بأصحاب الفيل ما فعل ليزداد العرب لهم هيبة وتعظيماً فتزيد في إكرامهم لما رأت من إكرام الله تعالى لهم فيكون لهم غاية التمكن في رحلتهم، والرحلة بالكسر هيئة الرحيل، وقرىء بالضم وهي الجهة التي يرحل إليها، وكانوا معذورين لذلك لأن بلدهم لا زرع به ولا ضرع، فكانوا إذا ضربوا في الأرض قالوا: نحن سكان حرم الله وولاة بيته، فلا يعرض أحد بسوء، فلولا الرحلتان لم يكن لهم مقام بمكة، ولولا الأمن بجوار البيت لم يقدروا على التصرف، وأول من سن لهم الرحلة هاشم بن عبد مناف، وكان يقسم ربحهم بين الغني والفقير حتى كان فقيرهم كغنيهم، وفي ذلك يقول الشاعر:
قل للذي طلب السماحة والندى ... هلا مررت بآل عبد مناف
الرائشين وليس يوجد رائش ... والقائلين هلم للإضياف
والخالطين فقيرهم بغنيهم ... حتى يكون فقيرهم كالكاف
القائلين بكل وعد صادق ... والراحلين برحلة الإيلاف
عمرو العلا هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون عجاف