ولما كانت النفس مطبوعة على ذكر فضلها وكان من المستبعد جداً تركها له نبه عليه بأداة البعد إعلاماً بعظيم فضله فقال:{ثم لا يتبعون ما أنفقوا} بما يجاهدون به أنفسهم {مناً} قال الحرالي: وهو ذكره لمن أنفق عليه فيكون قطعاً لوصله بالإغضاء عنه لأن أصل معنى المنّ القطع {ولا أذى} وهو ذكره لغيره فيؤذيه بذلك لما يتعالى عليه بإنفاقه - انتهى. وكذا أن يقول لمن شاركه في فعل خير: لو لم أحضر ما تم، وتكرير {لا} تنبيه على أن انتفاء كل منهما شرط لحصول الأجر {لهم} ولم يقرنه بالفاء إعلاماً بأنه ابتداء عطاء من الله تفخيماً لمقداره وتعظيماً لشأنه حيث لم يجعله مسبباً عن إنفاقهم {أجرهم} أي الذي ذكره في التضعيف فأشعر ذلك أنه إن اقترن بما نهي عنه لم يكن لهم، ثم زادهم رغبة بقوله:{عند ربهم} أي المحسن إليهم بتربيتهم القائم على ما يقبل من النفقات بالحفظ والتنمية حتى يصير في العظم إلى حد يفوت الوصف {ولا خوف عليهم} من هضيمة تلحقهم {ولا هم يحزنون *} على فائت، لأن ربهم سبحانه وتعالى لم يترك شيئاً من الفضل اللائق بهم إلا أوصله إليهم.
ولما أفهم هذا وهي ما لا يقترن بالشرط من الإنفاق فتشوقت