قال الحرالي: جعل سبحانه وتعالى آدم عليه الصلاة والسلام مثلاً مبدؤه السلالة الطينية، وغايته النفخة الأمرية، وكان عيسى عليه الصلاة ولاسلام مثلاً مبدؤه الروحية والكلمة، وغايته التكمل بملابسة السلالة الطينية، حتى قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنه عند نزوله في خاتمة اليوم المحمدي يتزوج امرأة من بني أسد ويولد له غلام لتكمل به الآدمية في العيسوية كما كملت العيسوية في الآدمية وليكون مثلاً واحداً أعلى جامعاً {وله المثل الأعلى في السماوات والأرض}[الروم: ٢٧]- انتهى.
ولما ابتدأ القصة بالحق في قوله:{نزل عليك الكتاب بالحق} ختمها بذلك على وجه آكد وأضخم فقال: {الحق} أي الكامل في الثبات كائن {من ربك} أي المحسن إليك بأنه لا يدع لخصم عليك مقالاً، ولما تسبب عما مضى نقلاً وعقلاً الاعتقاد الحق في أمر عيسى عليه الصلاة والسلام قال:{فلا تكن من الممترين *} مشيراً بصيغة الافتعال إلى أنه لا يشك فيه بعد هذا إلا من أمعن الفكر في شبه يثيرها وأوهام يزاولها ويستزيرها، وما أحسن ما في سفر الأنبياء