بدأ بهم لأن النشر المشوش أفصح، ولأن المقام للترهيب وزيادة النكاية لأهله، فيقال لهم توبيخاً وتقريعاً:{أكفرتم} يا سود الوجوه وعبيد الشهوات! {بعد إيمانكم} بما جبلتم عليه من الفطر السليمة ومكنتم به من العقول المستقيمة من النظر في الدلائل، ثم بما أخذ عليكم أنبياؤكم من العهود {فذوقوا العذاب} أي الأليم العظيم {بما كنتم تكفرون *} وأنتم تعلمون، فإنكم في لعنة الله ماكثون {وأما الذين ابيضت وجوهم} إشراقاً وبهاء لأنهم آمنوا فأمنوا من العذاب {ففي رحمة الله} أي ثمرة فعل ذي الجلال والإكرام الذي هو فعل الراحم. لا في غير رحمته. ثم أجاب عن سؤال من كأنه قال: هل تزول عنهم كما هو حال النعم في الدنيا؟ بقوله - على وجه يفهم لزومها لهم في الدنيا والآخرة -: {هم} أي خاصة {فيها خالدون} فلذا كانوا يؤمنون، فالآية من الاحتباك: إثبات الكفر أولاً دل على إرادة الإيمان ثانياً، وإثبات الرحمة ثانياً دل على حذف اللعنة أولاً.