ولما كان هذا مفهماً لأنه تعالى يغفر كل ذنب أتبعه تحقيق ذلك ونفي القدرة عليه عن غيره، لأن المخلوق لا يمضي غفرانه لذنب إلا إذا كان مما شرع الله غفرانه، فكان لا غافر في الحقيقة إلا الله قال مرغباً في الإقبال عليه بالاعتراض بين المتعاطفين:{ومن يغفر الذنوب} أي يمحو آثارها حتى لا تذكر ولا يجازى عليها {إلا الله} أي الملك الأعلى. ولما كان سبحانه وتعالى قد تفضل برفع القلم عن الغافل قال:{ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون *} أي إنهم على ذنب.
ولما أتم وصف السابقين وهم المتقون واللاحقين وهم التائبون قال - معلماً بجزائهم الذين سارعوا إليه من المغفرة والجنة مشيراً إليهم بأداة البعد تعظيماً لشأنهم على وجه معلم بأن أحدأً لا يقدر الله حق قدره -: {أولئك} أي العالو الرتبة {جزآؤهم مغفرة} أي لتقصيرهم أو لهفواتهم أو لذنوبهم، وعظمها بقوله:{من ربهم} أي المسحن إليهم بكل إحسان، وأتبع ذلك للإكرام فقال:{وجنات} أيّ جنات، ثم بين عظمها بقوله:{تجري من تحتها الأنهار} حال كونكم {خالدين فيها} هي أجرهم على عملهم {ونعم أجر العاملين *} هي، هذا على تقدير أن تكون الإشارة لجميع الموصوفين، وإن كانت للمستغفرين خاصة فالأمر واضح في نزول رتبتهم عمن قبلهم.