حياة الصفاء التي لا انفكاك لها ولا آخر لنعيمها بغم يلحقهم ولا فتنة تنالهم ولا حزن يعتريهم ولا دهش يلم بهم في وقت الحشر ولا غيره، فلا غفلة لهم، فكان ذلك مذهباً لحزن من خلفوه ومرغباً لهم في الأسباب الموصلة إلى مثل حالهم، وهذا - والله سبحانه وتعالى أعلم - معنى الشهادة، أي أنهم ليست لهم حال غيبة، لأن دائم الحياة بلا كدر أصلاً كذلك.
ولما ذكر سرورهم بما نالوه ذكر سرورهم بما علموه لمن هو على دينهم فقال:{ويستبشرون} أي توجد لهم البشرى وجوداً عظيم الثبات حتى كأنهم يوجدونها كلما أرادوا {بالذين لم يلحقوا بهم} أي في الشهادة في هذه الغزوة. ثم بين ذلك بقوله:{من خلفهم} أي في الدنيا. ثم يبن المبشر به فقال:{ألاّ خوف عليهم} أي على إخوانهم في آخرتهم {ولا هم يحزنون *} أي أصلاً، لأنه لا يفقد منه شيء، بل هم كل لحظة في زيادة، وهذا أعظم البشرى لمن تركوا على مثل حالهم من المؤمنين، لأنهم يلحقونهم في مثل ذلك، لأن السبب واحد، وهو منحة الله لهم بالقتل فيه، أو مطلق الإيمان لمطلق ما هم فيه من السعادة بغير قيد الشهادة.
ولما ذكر سرورهم لأنفسهم تارة ولإخوانهم أخرى كرره تعظيماً له وإعلاماً بأنه في الحقيقة عن غير استحقاق. وإنما هو مجرد مَنّ فقال:{يستبشرون بنعمة من الله} أي ذي الجلال والإكرام، كبيرة