مع جري ما فيهما من الحيوان الذي خلقا لأجله على غير انتظام - أن وراء هذه الدار داراً يثبت فيها الحق وينفى الباطل ويظهر العدل ويضمحل الجور، فيقولون تضرعاً إليه وإقبالاً عليه:{ربنا} أي أيها المحسن إلينا {ما خلقت هذا} أي الخلق العظيم المحكم {باطلاً} أي لأجل هذه الدار التي لا تفصل فيها على ما شرعت القضايا، ولا تنصف فيها الرعاة الرعايا، بل إنما خلقته لأجل دار أخرى، يكون فيها محض العدل، ويظهر فيها الفصل.
ولما كان الاقتصار على هذه الدار مع ما يشاهده من ظهور الأشرار نقصاً ظاهراً وخللاً بيناً نزهوه عنه فقالوا:{سبحانك} وفي ذلك تعليم العباد أدب الدعاء بتقديم الثناء قبله، وتنبيه على أن العبد كلما غزرت معرفتة زاد خوفه فزاد تضرعه، فإنه يحسن منه كل شيء من تعذيب الطائع وغيره، ولولا أن ذلك كذلك لكان الدعاء بدفعه عبثاً، وما أحسن ختمها حين تسبب عما مضي تيقنهم أن أمامنا داراً يظهر فيها العدل مما هو شأن كل أحد في عبيده، فيعذب فيها العاصي وينعم فيها الطائع، كما هو دأب كل ملك في رعيته بقولهم