وفي ذلك أتم ترهيب من الخلق المانع من الإحسان، وهو الاختيال على عباد الله والافتخار عليهم ازدراء بهم، فإنه لا مقتضى لذلك لأن الكل من نفس واحدة، والفضل نعمة منه سبحانه، يجب شكرها بالتواضع لتدوم، ويحذر كفرها بالفخار خوفاً من أن تزول.
ولما كان الاختيال والفخر على الفرح بالأعراض الفانية والركون إليها والاعتماد عليها، فكانا حاملين على البخل خوفاً من زوالها؛ قال واصفاً لهم بجملة من الأخلاق الرديئة الجلية، ذلك منشأها:{الذين يبخلون} أي يوقعون البخل بما حملهم من المتاع الفاني على الفخار، وقصره ليعم كتم العلم ونحوه؛ ثم تلا ذلك بأسوأ منه فقال {ويأمرون الناس بالبخل} مقتاً للسخاء، وفي التعبير بما هو من النوس إشارة إلى أنهم لا يعلقون أطماعهم بذلك إلا بذوي الهمم السافلة والرتب القاصرة، ويحتمل أن يكون الأمر كناية عن حملهم غيرهم على البخل بما يرى من اختيالهم وافتخارهم عليهم؛ ثم أتبع ذلك أخبث منه، وهو الشح بالكلام الذي لا يخشى نقصه وجحد النعمة وإظهار الافتقار فقال:{ويكتمون ما أتاهم الله} أي الذي له الجلال