ولما وفرت هذه الآيات الدواعي على تعيين هؤلاء الذين يريدون الإضلال، قال بعد الاعتراض بما بين المبين والمبين من الجمل لمزيد الاهتمام به:{من الذين هادوا} ثم بين ما يضلون به ويضلون بقوله - ويجوز أن يكون استئنافاً بمعنى: بعضهم، أو منهم من -: {يحرفون الكلم} أي الذي أتى به شرعهم من صفة النبي الأمي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصفه دينه وأمته وغير ذلك مما يريدون تحريفه لغرض، فيتألفون في إمالته وتغييره عن حده وطرفه إلى حد آخر مجاوزين به {عن} ولما كانت الكلمة إذا غيرت تبعها الكلام وهو المقصود بالذات، نبه على ذلك بتذكير الضمير فقال:{مواضعه} أي التي هي به أليق، فيتم ضلالهم وإضلالهم، وهو يشمل ما إذا كان المعنى المغير إليه بعيداً عن المغير أو قريباً، فالذي في المائدة أخص.
ولما كان سبحانه وتعالى عالماً بجميع تحريفهم، أشار إليه بالعطف على ما تقديره: فيقولون كذا ويقولون كذا: {ويقولون سمعنا} أي ما تقول {وعصينا} موهمين أنهم يريدون أن ذلك حكاية ما وقع لأسلافهم قديماً، وإنما يريدون أنهم هم سمعوا ما تقول وخالفوه عمداً ليظن من سمع ذلك أنهم على بصيرة في المخالفة بسبب ما عندهم