ولو في قتل نفسه، وذم من أبى ذلك بعد ما حذر من الأعداء من أهل الكتاب والمشركين والمنافقين المخادعين، فتوفرت دواعي الراغبين في المكارم على ارتقابها؛ التفت إلى المؤمنين ملذذاً لهم بحسن خطابه نادباً إلى الجهاد مع الإرشاد إلى الاستعداد له مما يروع الأضداد، فقال سبحانه وتعالى - منبهاً بأداة البعد وصيغة المضي إلى أن الراسخ لا ينبغي له أن يحتاج إلى تنبيه على مثل هذا -: {يا أيها الذين آمنوا} أي أقروا بالإيمان.
ولما كان سبحانه وتعالى قد خلق للإنسان عقلاً يحمله على التيقظ والتحرز من الخوف، فكان كالآلة له، وكان - لما عنده من السهو والنسيان في غالب الأوقات - مهملاً له، فكان كأنه قد ترك آلة كانت منه؛ قال سبحانه وتعالى:{خذوا حذركم} أي من الأعداء الذين ذكرتهم لكم وحذرتكم منهم: المشاققين منهم والمنافقين {فانفروا} أي اخرجوا تصديقاً لما ادعيتم إلى جهادهم مسرعين {ثبات} أي جماعات متفرقين سرية في إثر سرية. لا تملوا ذلك أصلاً {أو انفروا جميعاً *} أي عسكراً واحداً، ولا تخاذلوا تهلكوا، فكأنه قال: خففت