ولما كان نفاقهم - كما تقدم - في غاية الرداءة، وأخلاقهم في نهاية الدناءة، أشار إلى الوعد بتيسير التمكين منهم فقال:{حيث ثقفتموهم} فإن معناه: صادفتموهم وأدركتموهم وأنتم ظافرون بهم، حاذقون في قتالهم، فطنون به، خفيفون فيه، فإن الثقف: الحاذق الخفيف الفطن، ولذلك أشار إليهم بأداة البعد فقال:{وأولئكم} أي البعداء عن منال الرحمة من النصر والنجاة وكل خير {جعلنا} أي بعظمتنا {لكم عليهم سلطاناً} أي تسلطاً {مبيناًَ *} أي ظاهراً قوته وتسلطه. وهذه الآيات منسوخة بآية براءة، فإنها متأخرة النزول فإنها بعد تبوك.
ولما بين أقسامهم بياناً ظهر منه أن أحوالهم ملبسة، وأمر بقتالهم مع الاجتهاد في تعرف أحوالهم، وختم بالتسلط عليهم، وكان ربما قتل من لا يستحق القتل بسبب الإلباس؛ أتبع ذلك بقوله المراد به التحريم، مخرجاً له في صورة النفي المؤكد بالكون لتغليظ الزجر عنه لما للنفوس عند الحظوظ من الدواعي إلى القتل:{وما كان لمؤمن} أي يحرم عليه {أن يقتل مؤمناً} أي في حال من الحالات {إلا خطأ} أي في حالة الخطأ بأن لا يقصد القتل، أو لا يقصد الشخص، أو يقصده