ولا يقبح منه شيء، بل له أن يعذب الطائع وينعم العاصي، ويفعل ويقول ما يشاء {لا يسأل عما يفعل}[الأنبياء: ٢٣] أحل هؤلاء المعذورين محل الرجاء إيذاناً بأن ترك الهجرة في غاية الخطر فقال: {عسى الله} أي المرجو والخليق والجدير من الملك المحيط بأوصاف الكمال {أن يعفو عنهم} أي ولو آخذهم لكان له ذلك، وكل ما جاء في القرآن من نحو هذا فهو للإشارة إلى هذا المعنى، وقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إن عسى من الله واجبة، معناه أنه مع أن له أن يفعل ما يشاء لا يفعل إلا ما يقتضيه الحكمة على ما يستصوبه منهاج العقل السليم {وكان الله} أي الملك الذي له كل شيء فلا اعتراض عليه أزلاً وأبداً {عفواً} أي يمحو الذنب إذا أراد فلا يعاقب عليه وقد يعاتب عليه {غفوراً *} أي يزيل أثره أصلاً ورأساً بحيث لا يعاقب عليه ولا يعاتب ولا يكون بحيث يذكر أصلاً، ولعل العفو راجع إلى الرجال، والغفران إلى النساء والولدان.
ولما رهب من ترك الهجرة، رغب فيها بما يسلي عما قد يوسوس به الشيطان من أنه لو فارق رفاهية الوطن وقع في شدة الغربة، وأنه ربما تجشم المشقة فاخترم قبل بلوغ القصد، فقال تعالى:{ومن يهاجر} أي يوقع الهجرة لكل ما أمر الله سبحانه وتعالى ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهجرته {في سبيل الله} أي الذي لا أعظم من