ولما كان معنى الاستثناء أنه لا يعذبهم، وأنهم يجدون الشفيع بإذنه؛ قال مؤكداً لذلك على وجه الاستنتاج منكراً على من ظن أنه لا يقبلهم بعد الإغراق في المهالك:{ما يفعل الله} أي وهو المتصف بصفات الكمال التي منها الغنى المطلق {بعذابكم} أي أيها الناس، فإنه لا يجلب له نفعاً ولا يدفع عنه ضراً.
ولما كان الخطاب مع الذين آمنوا قال:{إن شكرتم} أي نعمه التي من أعظمها إنزال الكتاب الهادي إلى الرشاد، المنقذ من كل ضلال، المبين لجميع ما يحتاج إليه العباد، فأداكم التفكر في حالها إلى معرفة مسديها، فأذعنتم له وهرعتم إلى طاعته بالإخلاص في عبادته وأبعدتم عن معصيته.
ولما كان الشكر هو الحامل على الإيمان قدمه عليه، ولما كان لا يقبل إلا به قال:{وآمنتم} أي به إيماناً خالصاً موافقاً فيه القلب ما أظهره اللسان؛ ولما كان معنى الإنكار أنه لا يعذبكم، بل يشكر ذلك قال عاطفاً عليه:{وكان الله} أي ذو الجلال والإكرام أزلاً وأبداً {شاكراً} لمن شكره بإثابته على طاعته فوق ما يستحقه {عليماً *} بمن عمل له شيئاً وإن دق، لا يجوز عليه سهو ولا غلط ولا اشتباه.