أي فأنتم جديرون بالعفو بسبب علمكم بأن {الله كان} أي دائماً أزلاً وأبداً {عفواً} ولما كان ترك العقاب لا يسمى عفواً إلا إذا كان من قادر وكان الكف - عند القدرة عن الانتقام، ممن أثر في القلوب الآثار العظام - بعيداً، شاقاً على النفس شديداً؛ قال تعالى مذكراً للعباد بذنوبهم إليه وقدرته عليهم:{قديراً *} أي بالغ العفو عن كل ما يريد العفو عنه من أفعال الجانين والقدرة على كل ما يريد ومن يريد، فالذي لا ينفك عن ذنب وعجز أولى بالعفو طمعاً في عفو القادر عنه وخوفاً من انتقامه منه وتخلقاً بخلقه العظيم والاقتداء بسنته.
ولما انقضى ذلك على أتم وجه وأحسن سياق ونحو، وختم بصفتي العفو والقدرة؛ شرع في بيان أحوال من لا يعفى عنه من أهل الكتاب، وبيان أنهم هم الذين أضلوا المنافقين بما يلقون إليهم من الشبه التي وسَّعَ عقولهم لها ما أنعم به عليهم سبحانه وتعالى من العلم، فأبدوا الشر وكتموا الخير، فوضعوا نعمته حيث يكره، ثم كشف سبحانه وتعالى بعض شبههم، فقال مبيناً لما افتتح به قصصهم من أنهم اشتروا الضلالة بالهدى، ويريدون ضلال غيرهم، بعد أن كان ختم هناك