وختم بالحكم بها على وجه أضخم، تفظيعاً لحالهم، وأصل الكلام: أرادوا سبيلاً بين سبيلين، فقالوا: نكفر ببعض، فأرادوا التفرقة، فكفروا كفراً هو في غاية الشناعة على علم منهم، فأنتج ذلك:{أولئك} أي البعداء البغضاء {هم الكافرون} أي الغريقون في الكفر {حقاً} ولزمهم الكفر بالجميع لأن الدليل على نبوة البعض لزم منه القطع بنبوة كل من حصل منه مثل ذلك الدليل، وحيث جوز حصول الدليل بدون المدلول تعذر الاستدلال به على شيء كالمعجزة، فلزم حينئذ الكفر بالجميع، فثبت أن من كذب بنبوة أحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لزمه الكفر بجميع الأنبياء، ومن لزمه الكفر بهم لزمه الكفر بالله وكل ما جاء به.
ولما كان التقدير: فلا جرم أنا أعتدنا - أي هيأنا - لهم عذاباً مهيناً، عطف عليه تعميماً:{وأعتدنا للكافرين} أي جميعاً {عذاباً مهيناً *} أي كما استهانوا ببعض الرسل وهم الجديرون بالحب والكرامة، والآية شاملة لهم ولغيرهم ممن كان حاله كحالهم، وإيلاء ذلك بيان أحوال المنافقين أنسب شيء وأحسنه للتعريف بأنهم منافقون، من حيث أنهم يظهرون شيئاً من أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويبطنون غيره وإن كان ما يظهرونه على الضد مما يظهره المنافقون، وبأنهم هم الذين أضلوا