لو كان نبياً أتى بكتابه جملة من السماء كما أتى موسى عليه الصلاة والسلام بالتوارة كذلك، بإقرارهم بنبوة هؤلاء الأنبياء عليهم السلام مع كونهم ليس لهم تلك الصفة، ولم يكن ذلك قادحاً في نبوة أحد منهم ولا رسالته:{إنا} ويصح أن يكون هذا تعليلاً ليؤمنون، أي إنهم آمنوا بما أنزل إليك لأنا {أوحينا إليك كما} أي مثل ما {أوحينا إلى نوح} وقد آمنوا بما به لما أتى به من المعجز الموجب للإيمان من غير توقف على معجز آخر ولا غيره، لأن إثبات المدلول إنما يتوقف على ثبوت الدليل، فإذا تم الدليل كانت المطالبة بدليل آخر طلباً للزيادة وإظهاراً للتعنت واللجاج - والله سبحانه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
ولما كان مقام الإيحاء - وهو الأنبياء - من قِبَل الله تعالى قال:{والنبيِّين من بعده} أي فهم يعلمون ذلك بما لهم من الرسوخ في العلم وطهارة الأوصاف، ولا يشكون في أن الكل من مشكاة واحدة، مع أن هذا الكتاب أبلغ، والتعبير فيه عن المقاصد أجلى وأجمع، فهم إليه أميل، وله أقبل، وأما المطبوع على قلوبهم، الممنوعون من رسوخ العلم فيها بكثافة الحجاب، حتى أنها لا تنظر إلى اسراره إلا من وراء غشاء، فهم غير قابلين لنور العلم المتهيىء للإيمان، فأسرعوا إلى الكفر، وبادروا بالذل والصغار، وفي الآخرة بالسخط والنار.