مع شرف التذكير بما أفاضه من شرف جليل الأيادي، فافتتح هذه السورة بالأمر بالوفاء بحق الربوبية، وأتبعه التذكير بما وفى به سبحانه من حق الربوبية من نوع المنافع في لذة المطعم وتوابعه ولذة المنكح وتوابعه، وقدم المطعم لأن الحاجة إليه فوق الحاجة إلى المنكح، فلما أتم ما ألزمه نفسه الأقدس من عهد الربوبية فضلاً منه، أتبعه الأمر بالوفاء بعهد العبودية، وقدم منه الصلاة لأنها أشرفه بعد الإيمان، وقدم الوضوء لأنه شرطها فقال:{يا أيها الذين آمنوا} أي أقروا به! صدقوه بأنكم {إذا} عبر بأداة التحقيق بشارة بأن الأمة مطيعة {قمتم} أي بالقوة، وهي العزم الثابت على القيام الذي هو سبب القيام {إلى الصلاة} أي جنسها محدثين، لما بينه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجمعه بعده صلوات بوضوء واحد وإن كان التجديد أكمل، وخصت الصلاة ومس المصحف من بين الأعمال بالأمر بالوضوء تشريفاً لهما ويزيد حمل الإيمان على الصلاة حسناً تقدم قوله تعالى
{اليوم أكملت لكم دينكم}[المائدة: ٣] الثابت أنها نزلت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد عصر يوم عرفة والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ناقته يخطب، وكان من خطبته في ذلك الوقت أو في يوم النحر أو في كليهما:«ألا إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم» رواه أحمد ومسلم في صفة القيامة