ولما كان الإخبار باجتماع كلمتهم على شقاوة الكفر ربما أحدث خوفاً من كيدهم، نفى ذلك بقوله {وألقينا} أي بما لنا من العظمة الباهرة {بينهم} أي اليهود {العداوة} ولما كانت العداوة - وهي أي يعدون بعضهم إلى أذى بعض - ربما زالت بزوال السبب، أفاد أنها لازمة لا تنفك بقوله:{والبغضاء} أي لأمور باطنية وقعت في قلوبهم وقوع الحجر الملقى من علو {إلى يوم القيامة} .
ولما كان ذلك مفيداً لوهنهم ترجمه بقوله:{كلما أوقدوا} على سبيل التكرار لأحد من الناس {ناراً للحرب} أي باحكام أسبابها وتفتيح جميع أبوابها {اطفأها} أي خيّب قصدهم في ذلك {الله} أي الذي له جميع صفات الكمال، فلا تجدهم في بلد من البلاد إلا في الذل وتحت القهر، وأصل استعارة النار لها ما في كل منهما من التسلط والغلبة والحرارة في الظاهر والباطن، مع أن المحارب يوقد النار في موضع عال ليجتمع إليه أنصاره، ولقد قام لعمري دليل المشاهدة على صدق ذلك بغزوة قينقاع تم النضير ثم قريضة، والقبائل الثلاث بالمدينة لم يتناصروا ولم ينصروا، ثم غزوة خيبر وأهل فدك ووادي القرى وهم متقاربون ولم يتناصروا ولم ينصروا، هذا فيما في خاصتهم،