بإنزاله عن رتبته، والنصارة برفعه عنها بقوله تعالى:{قل يا أهل الكتاب} أي عامة {لا تغلوا} أي تجاوزوا الحد علواً ولا نزولاً {في دينكم} .
ولما كان الغلو ربما أطلق على شدة الفحص عن الحقائق واستنباط الخفي من الأحكام والدقائق من خبايا النصوص، نفى ذلك بقوله:{غير الحق} وعرّفه ليفيد أن المبالغة في الحق غير منهي عنها، وإنما المنهي عنه تجاوز دائرة الحق بكمالها، ولو نكر لكان من جاوز حقاً إلى غيره واقعاً في النهي، كما جاوز الاجتهاد في الصلاة النافلة إلى الجد في العلم النافع، ولو قيل: باطلاً، لأوهم أن المنهي عنه المبالغة في الباطل، لا أصله ومطلقه.
ولما نهاهم أن يضلوا بأنفسهم، نهاهم أن يقلدوا في ذلك غيرهم فقال:{ولا تتبعوا} أي فاعلين فعل من يجتهد في ذلك {أهواء قوم} أي هَوَوا مع ما لهم من القوة، فكانوا أسفل سافلين، والهوى لا يستعمل إلا في البشر {قد ضلوا} ولما كان ضلالهم غير مستغرق للزمان الماضي، أدخل الجار فقال:{من قبل} أي من قبل زمانكم هذا عن منهاج العقل فصبروا على ضلالهم وأنسوا بما تمادوا عليه في محالهم {وأضلوا} أي لم يكفهم ضلالُهم في أنفسهم حتى أضلوا غيرهم {كثيراً} أي من الناس بتماديهم في الباطل من التثليث وغيره حتى