للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عنها، لا غيرهم من العصاة المؤمنين وإن كثرت كبائرهم.

ولما مدح سبحانه الرهبان، وكان ذلك داعياً إلى الترهب، وكانت الرهبانية حسنة بالذات قبيحة بالعرض، شريفة في المبدأ دنية في المآل، فإنها مبنية على الشدة والاجتهاد في الطاعات والتورع عن أكثر المباحات، والإنسان مبني على الضعف مطبوع على النقائص، فيدعوه طبعه ويساعده ضعفه إلى عدم الوفاء بما عاقد عليه، ويسرع بما له من صفة العجلة إليه، فيقع في الخيانة كما قال تعالى: {فما رعوها حق رعايتها} [الحديد: ٢٧] عقب ذلك بالنهي عنها في هذا الدين والإخبار عنه بأنه بناه على التوسط رحمة منه لأهله ولطفاً بهم تشريفاً لنبيهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونهاهم عن الإفراط فيه والتفريط فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا} أي وجد منهم الإقرار بذلك {لا تحرموا} أي تمنعوا أنفسكم بنذر أو يمين أو غيرهما تصديقاً لما أقررتم به، ورغبهم في امتثال أمره بأن جعله موافقاً لطباعهم ملائماً لشهواتهم فقال: {طيبات ما} أي المطيبات وهي اللذائذ التي {أحل الله} وذكر هذا الاسم الأعظم مرغب في ذلك، فإن الإقبال على المنحة يكون على مقدار المعطي، وأكد ذلك بقوله: {لكم} أي وأما هو سبحانه فهو منزه عن الأغراض، لا ضر يلحقه ولا نفع، لأن له الغنى المطلق.

ولما أطلق لهم ذلك، حثهم على الاقتصاد، وحذرهم من مجاوزة الحد

<<  <  ج: ص:  >  >>