منه، وكانت حالة الإحرام أشبه شيء بحالة الحشر في التجرد عن المخيط والإعراض عن الدنيا وتمتعاتها، ختم الآية بقوله عطفاً على ما تقديره: فلا تأكلوا شيئاً منه في حال إحرامكم: {واتقوا الله} أي الذي له الأمر كله في ذلك وفي غيره من الاصطياد وغيره {الذي إليه تحشرون *} ليكون العرض عليه نصبَ أعينكم فتكونوا مواظبين على طاعته محترزين عن معصيته.
ولما كان الإحرام وتحريم الصيد فيه إنما هو لقصد تعظيم الكعبة، بين تعالى حكمة ذلك وأنه كما جعل الحرم والإحرام سبباً لأمن الوحش والطير جعله سبباً لأمن الناس وسبباً لحصول السعادة دنيا وأخرى، فقال مستأنفاً بياناً لحكمة المنع في أول السورة من استحلال من يقصدها للزيارة:{جعل الله} أي بما له من العظمة وكمال الحكمة ونفوذ الكلمة {الكعبة} وعبر عنها بذلك لأنها مأخوذة من الكعب الذي به قيام الإنسان وقوامه، وبيّنها مادحاً بقوله:{البيت الحرام} أي الممنوع من كل جبار دائماً الذي تقدم في أول السورة أني منعتكم من استحلال من يؤمّه {قياماً للناس} أي في أمر معاشهم ومعادهم لأنها لهم كالعماد الذي يقوم به البيت، فيأمن به الخائف ويقوى فيه الضعيف ويقصده التجار والحجاج والعمّار فهو عماد الدين والدنيا.
ولما ذكر ما به القوام من المكان، أتبعه ذلك من الزمان فقال:{والشهر الحرام} أي الذي يفعل فيه الحج وغيره يأمن فيه الخائف.