ولما أخبر بعلة التعظيم لما أمر بتعظيمه من نظم أمور الناس، ذكر علة ذلك الجعل فقال:{ذلك} أي الجعل العظيم الذي تم أمره على ما أراد جاعله سبحانه {لتعلموا} أي بهذا التدبير المحكم {أن الله} أي الذي له الكمال كله الذي جعل ذلك {يعلم ما في السماوات} فلذلك رتبها ترتيباً فصلت به الأيام والليالي، فكانت من ذلك الشهور والأعوام، وفصّل من ذلك ما فصل للقيام المذكور {وما في الأرض} فلذلك جعل فيها ما قامت به مصالح الناس وكف فيه أشدهم وأفتكهم عن أضعفهم وآمن فيه الطير والوحش، فيؤدي ذلك من له عقل رصين وفكر متين إلى أن يعلم أن فاعل ذلك من العظمة ونفوذ الكلمة بحيث يستحق الإخلاص في العبادة وأن يمتثل أمره في إحلال ما أحل من الطعام وتحريم ما حرم من الشراب وغير ذلك.
ولما ذكر هذا العلم العظيم، ذكر ما هو أعم منه فقال:{وأن} أي ولتعلموا أن {الله} أي المحيط بكل شيء قدرة وعلماً الذي فعل ذلك فتم له {بكل شيء عليم *} وإلاّ لما أثبت جميع مقتضيات ذلك ونفى جميع موانعه حتى كان، ولقد اتخذ العرب - كما في السيرة الهشامية وغيرها - طواغيت، وهي بيوت جعل لها سدنة وحجاباً وهدايا أكثروا منها، وعظمت كل قبيلة ما عندها أشد تعظيم وطافوا به فلم يبلغ