وسأل غيره أن يوافقه عليها وهو قاطع بأنها غاية في الحسن فكانت سبب شقائه فقال:{قد سألها} يعني أمثالها، ولم يقل: سأل عنها، إشارة إلى ما أبدته {قوم} أي أولو عزم وبأس وقيام في الأمور.
ولما كان وجود القوم فضلاً عن سؤالهم لم يستغرق زمان القبل، أدخل الجار فقال:{من قبلكم} ولما كان الشيء إذا جاء عن مسألة جديراً بالقبول لا سيما إذا كان من ملك فكيف إذا كان من ملك الملوك. فكان رده في غاية البعد، عبر عن استبعاده بأداة العبد في قوله:{ثم أصبحوا بها} أي عقب إتيانهم إياها سواء من غير مهلة {كافرين *} أي ثابتين في الكفر، هذا زجر بليغ لأن يعودوا لمثل ما أرادوا من تحريم ما أحل لهم ميلاً إلى الرهبانية والتعمق في الدين المنهي عنه بقوله:{لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم}[المائدة: ٨٧] .
ولما فرغ من زجرهم عن أن يشرعوا لأنفسهم أو يسألوه عن أن يشرع لهم وأن يسألوا مَنْ رحمهم بابتدائهم بهذا الشرع عن شيء من الأشياء اعتماداً على أنه ما ابتدأ بذلك إلا وهو غير مخف عنهم شيئاً ينفعهم ولا مبد لهم شيئاً يضرهم لأنه بكل شيء عليم - كما تقدم التنبيه على ذلك، قال معللاً بختام الآية التي قبلها:{ما جعل الله} أي الذي له صفات الكمال فلا يشرع شيئاً إلا وهو على غاية الحكمة، وأغرق