وما أودع فيها، ومع بيان الأمر في ذلك حاد عنه من عمي عن الاستبصار {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون}[الأنعام: ١] وقوله تعالى: {هو الذي خلقكم من طين}[الأنعام: ٢] مما يزيد هذا المعنى وضوحاً، فإنه تعالى ذكر أصلنا والمادة التي عنها أوجدنا، كما ذكر للنور والظلمة ما هو كالمادة، وهو وجود السماوات والأرض، وأشعر لفظ {جعل} بتوقف الوجود بحسب المشيئة على ما ذكر، وكان قد قيل: أيّ فرق بين وجود النور والظلمة عن وجود السماوات والأرض وبين وجودكم عن الطين حتى يقع امتراء فيه عن نسبة الإيجاد إلى النور والظلمة، وهما لم يوجدا إلا بعد مادة أو سبب كما طرأ في إيجادكم؟ فالأمر في ذلك أوضح شيء {ثم أنتم تمترون}[الأنعام: ٢] ثم مرت السورة من أولها إلى آخرها منبهة على بسط الدلالات في الموجودات مع التنبيه على أن ذلك لا يصل إلى استثمار فائدته إلا من هيئ بحسب السابقة فقال تعالى:
{إنما يستجيب الذين يسمعون}[الأنعام: ٣٦] ثم قال تعالى: {والموتى يبعثهم الله}[الأنعام: ٣٦] ، وهو - والله أعلم - من نمط {أو من كان ميتاً فأحييناه} ، أجمل هنا ثم فسر بعد في السورة بعينها، والمراد أن من الخلق من جعله الله سامعاً مطيعاً متيقظاً معتبراً بأول وهلة، وقد أري المثال سبحانه وتعالى في ذلك في قصة إبراهيم عليه السلام في قوله:{وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض}[الأنعام: ٧٥] ، فكأنه يقول لعباده المتقين: تعالوا فانهجوا طريق الاعتبار ملة أبيكم