لا يعجزه شيء وهو يعجز كل شيء، لأنه واحد لا كفوء له، فإنكم عجزتم عن الإتيان بسورة من مثل كلامه وأنتم أفصح الناس.
ولما كان معنى هذا البراءة من إنذارهم، صرح به في قوله مؤكداً في جملة اسمية:{وإنني بريء مما تشركون *} أي الآن وفي مستقبل الزمان إبعاداً من تطمعهم أن تكون الموافقة بينه وبينهم باتخاذه الأنداد أو شيئاً منها ولياً، فثبت التوحيد بهذه الآية بأعظم طرق البيان وأبلغ وجوه التأكيد، ولقد امتثل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأمر بإنذار من يمكن إبلاغه القرآن، فلما استراح عن حرب قريش وكثير ممن حوله من العرب في عام الحديبية، وهو سنة ست من الهجرة، وأعلمه الله تعالى أن ذلك فتح مبين، أرسل إلى من يليه من ملوك الأمصار في ذلك العام وما بعده، وكان أكثر عند منصرفه من ذلك الاعتمار يدعوهم إلى جنات وأنهار في دار القرار، وينذرهم دار البوار، قال أهل السير: خرج صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد رجوعه من عمرة الحديبية التي صد عنها - على أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين فقال:«أيها الناس! إن الله بعثني رحمة وكافة، وإني أريد أن أبعث بعضكم إلى ملوك الأعاجم» وقال ابن عبد الحكم في فتوح مصر عن عبد الرحمن بن عبد القادر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام ذات يوم على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وتشهد