في سورة يونس عليه السلام: تقدم في سورة الأنعام أن العرب تضمن أرأيت معنى أخبرني وأنها تتعدى إذ ذاك إلى مفعولين، وأن المفعول الثاني أكثر ما يكون جملة استفهام، ينعقد منها ومما قبلها مبتدأ وخبر، يقول العرب: أرأيت زيداً ما صنع؟ المعنى: أخبرني عن زيد ما صنع! وقبل دخول أرأيت كان الكلام: زيد ما صنع - انتهى.
قلت: وحقيقة المعنى كما مر: هل رأيت زيداً؟ فلما استفهم عن رؤيته - والمراد الخبر لا البصر - عُلم أن السؤال عن بعض أحواله، فكأنه قيل: ما له؟ فقيل: ما صنع؟ .
ولما كان استفهام الإنكار بمعنى النفي، كان كأنه قيل: لا تدعون غيره، فعطف عليه قوله:{بل إياه} أي خاصة {تدعون} أي حينئذ؛ ولما كان يتسبب عن دعائهم تارة الإجابة وأخرى غيرها قال:{فيكشف} أي الله في الدنيا أو في الآخرة، فإنه لا يجب عليه شيء، ولا يقبح منه شيء {ما تدعون إليه} أي إلى كشفه {إن شاء} أي ذلك تفضلاً عليكم كما هي عادته معكم في وقت شدائدكم، ولكنه لا يشاء كشفه في الآخرة، لأنه لا يبدل القول لديه وإن كان له أن يفعل ما يشاء، ولو كان يجيبكم دائماً وأنتم لا تدعون غيره، لكان ذلك كافياً في الدلالة على اعتقادكم أنه لا قادر إلا هو، فكيف وهو يجيبكم في الدنيا