ولما كان محط حالهم في السؤال طرد الضعفاء قصد اتباع أهوائهم، أمره تعالى بأن يخبرهم أنه مباين لهم - لما بين له بالبيان الواضح من سوء عاقبة سبيلهم - مباينة لا يمكن معها اتباع أهوائهم، وهي المباينة في الدين فقال:{قل إني نهيت} أي ممن له الأمر كله {أن أعبد الذين تدعون} أي تعبدون بناء منكم على محض الهوى والتقليد في أعظم أصول الدين، وحقر أمرهم وبين سفول رتبتهم بقوله:{من دون الله} أي الذي لا أعظم منه، فقد وقعتم في ترك الأعظم ولزوم الدون الذي هو دونكم في أعظم الجهل المؤذن بعمى القلب مع الكفر بالمحسن، فمباينتي مبناها على المقاطعة، فكيف تطمع في متابعة! ثم أكد ذلك بأمر آخر دال على أنه لا شبهة لهم في عبادتهم فقال:{قل لا أتبع أهواءكم} أي عوضاً عما أنا عليه من الحكمة البالغة المؤيدة بالبراهين الساطعة والأدلة القاطعة.
ولما كان من المعلوم أن الهوى لا يدعو إلى هدى، بل إلى غاية الردى، حقق ما أفهمته هذه الجملة بقوله:{قد ضللت إذاً} أي إذا اتبعت أهواءكم؛ ولما كان الضال قد يرجع، بين أن هذا ليس كذلك، لعراقتهم في الضلال، فقال معبراً بالجملة الاسمية الدالة على الثبات: