إلى خلاف ما تدعو إليه الفطرة الأولى بأن تجعل {أصناماً آلهة} أي تعبدها وتخضع لها ولا نفع فيها ولا ضر، فنبهه بهذا الإنكار على أن معرفة بطلان ما هو متدين به لا يحتاج إلى كثير تأمل، بل هو أمر بديهي أو قريب منه، فإنهم يباشرون أمرها بجميع جوانبهم ويعلمون أنها مصنوعة وليست بصانعة، وكثرتها تدل على بطلان إلهيتها بما أشار إليه قوله تعالى {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}[الأنبياء: ٢٢] .
ولما خص بالنصيحة أقرب الخلق إليه، عم بقية أقاربه فقال:{إني أراك وقومك} أي في اتفاقكم على هذا {في ضلال} أي بُعد عن الطريق المستقيم {مبين *} أي ظاهر جداً ببديهة العقل مع مخالفته لكل نبي نبأه الله تعالى من آدم عليه السلام فمن بعده، فهو مع ظهوره في نفسه مظهر للحق من أن الإله لا يكون إلا كافياً لمن يعبده، وإلا كان فقيراً إلى تأله من يكفيه.
ولما كان كأنه قيل: بصرنا إبراهيم عليه السلام هذا التبصير في هذا الأمر الجريء من بطلان الأصنام، قال عاطفاً عليه:{وكذلك} أي ومثل هذا التبصير العظيم الشأن، وحكى الحال الماضية بقوله:{نري} أي بالبصر والبصيرة على مر الزمان وكر الشهور والأعوام إلى ما لا