أي بسبب ظلم ارتكبوه {وأهلها غافلون *} أي غريقون في الغفلة عما يجب عليهم مما لا تستقل به عقولهم، أي بما ركب فيهم من الشهوات وغلب عليهم من اللذات، فأوقف عقولهم عن نافذ المعرفة بما يراد بهم، فأرسلنا إليهم الرسل حتى أيقظوهم من رقدتهم وأنبهوهم من غفلتهم، فصار تعذيبهم بعد تكذيبهم هو الحق الواجب والعدل الصائب، ويجوز أن يكون المعنى: مهلكهم ظالماً، فيكون المنفي من الظلم كالمنفي في قوله تعالى {وما ربك بظلام للعبيد}[فاطر: ٤٦] وعلى الأول المنفي ظلمهم.
ولما بيّن سبحانه أن لأحد الفريقين دار السلام، والآخر دار الملام، قال جامعاً للفريقين عاطفاً على قوله {لهم دار السلام عند ربهم}[الأنعام: ١٢٧] : {ولكل} أي عامل من الفريقين صالح أو طالح في قبيلي الجن والإنس في الدارين {درجات} أي يعليهم الله بها {مما} أي من أجل ما {عملوا} ودركات يهويهم فيها كذلك.
ولما تقدم أنه تعالى لا يهلك المجرمين إلاّ بعد الإعذار إليهم، وتضمن ذلك إمهالهم، وختم أحوالهم بأنهم موضع لثبوت الغفلة ودوامها، نفى أن يسلم شيء من ذلك بجناب عظمته على وجه أثبت له ذلك إحاطة العلم بجميع أعمالهم فقال:{وما ربك} أي المحسن إليك بإعلاء أوليائك وإسفال أعدائك، وأغرق في النفي لإثبات مزيد العلم فقال: