ولما تقدم أن الناس فريقان: مهتد وضال، وتكرر ذم الضال باجترائه على الله بفعل ما منعه منه وترك ما أمره به، وكانت العادة المستمرة للملوك أنهم لا يمهلون من تتكرر مخالفته لهم؛ كان كأنه قيل: فلم يهلك من يخالفه؟ فقيل وعظاً وتحذيراً: إنهم لا يضرون بذلك إلا أنفسهم، ولا يفعلون شيئاً منه إلا بإرادته، فسواء عندهم بقاؤهم وهلاكهم، إنما يستعجل من يخاف الفوت أو يخشى الضرر، ولهم أجل لا بد من استيفائه، وليس ذلك خاصاً بهم بل {ولكل أمة أجل} وهو عطف على {فيها تحيون وفيها تموتون}[الأعراف: ٢٥]{فإذا جاء أجلهم} .
ولما كان نظرهم إلى الفسحة في الأجل، وكان قطع رجائهم من من جملة عذابهم، قدمه فقال:{لا يستأخرون} أي عن الأجل {ساعة} عبر بها والمراد أقل ما يمكن لأنها أقل الأوقات في الاستعمال في العرف، ثم عطف على الجملة الشرطية بكمالها لا على جزائها قوله:{ولا يستقدمون*} أي على الأجل المحتوم، لأن الذي ضربه لهم ما ضربه إلا وهو عالم بكل ما يكون من أمرهم، لم يتجدد له علم، لم يكن يتجدد شيء من أحوالهم، ويجوز أن يكون معطوفاً على قوله:{ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين}[الأعراف: ٢٤] وتكون الآية معلمة بأنهم سيتناسلون فيكثرون حتى يكونوا أمماً، ولا يتعرضون جملة بل يكون لكل أمة وقت.