حتى كأنهم {لم يغنوا} أي ينزلوا ويقيموا، وبطل مقامهم لاهين بالأفراح والغناء والاستغناء من المغاني وهي المنازل والاستغناء {فيها} أي الدار بسبب تكذيبهم.
ولما كان تكذيب الصادقين لا سيما الرسل في غاية الشناعة، كرره إشارة إلى ذلك وإعلاماً بأنه سبب لهم أعظم من هلاك الأشباح ضد ما سبب التصديق للمؤمنين فقال:{الذين كذبوا شعيباً} أي تكذيبه سبباً لهلاكهم {كانوا} أي بسبب التكذيب أيضاً {هم} أي خاصة {الخاسرين*} أي خسروا أرواحهم كما خسروا أشباحهم فهم لما سوى ذلك أخسر، وأما الذين اتبعوه فما نالهم شيء من الخسار، وفي هذا الاستئناف والابتداء والتكرير مبالغة في رد مقالة الملأ لأشياعهم وتسفيه لآرائهم واستهزاء بنصحهم لقومهم واستعظام لما جرى عليهم.
ولما صارت تلك الدار محل الغضب، سبب ذلك أن هاجر عنها كما كانت عادة من قبله من الأنبياء عليهم السلام، فقال:{فتولىعنهم} بعد نزول العذاب وقبله عند رؤية مخايله ذاهباً إلى مكان غيره، يعبد ربه فيه {وقال} متأسفاً على ما فاته من هدايتهم {يا قوم} أي يا عشيرتي وأقرب الناس إليّ {لقد أبلغتكم} ولعله جمع لأجل كثرة ما أتاهم به من المعجزات فقال: {رسالات ربي} أي المحسن إليّ بإنجائي ومن تبعني من عذابكم لتوفيقه لنا إلى ما يرضيه {ونصحت} أي وأوقعت النصح