لبيان أن أكثر الخلق فاسق، أخبر تعالى بما قال قوم فرعون بعدما رأوا من المعجز القاهر دليلاً على ذلك، فقال عاطفاً على {وألقي السحرة ساجدين} وما بعده، أو على قول فرعون:{وقال الملأ} أي الأشراف {من قوم فرعون} أي ظانين أن فرعون متمكن مما يريد بموسى عليه السلام من الأذى منكرين لما وصل إليه الحال من أمر موسى عليه السلام حين فعل ما فعل وآمن به السحرة، وما عمل فرعون شيئاً، لا قتله ولا حبسه، لأنه كان لا يقدرعلى ذلك ولا يعترف به لقومه {أتذر موسى وقومه} .
ولما كان ما كان في أول مجلس من إيمان السحرة جديراً بأن يجر إليه أمثاله، سموه فساداً وجعلوه مقصوداً لفرعون إحماء له واستغضاباً فقالوا:{ليفسدوا} أي يوقعوا الفساد وهو تغيير الدين {في الأرض} أي التي هي الأرض كلها، وهي أرضنا هذه، أو الأرض كلها، لكون مثل هذا الفعل جديراً برد أهل الأرض كلهم عن عقائدهم {ويذرك وآلهتك} قيل: كان أمر قومه أن يعبدوا الأصنام تقرباً إليه، وقال الإمام: الأقرب أنه كان دهرياً منكراً لوجود الصانع، وكان يقول: مدبر هذا العالم السفلي هو الكواكب، وأنه المخدوم في العالم للخلق أو لتلك الطائفة والمربي لهم؛ ثم قال: وإذا كان مذهبه ذلك لم يبعد أن يقال: إنه كان قد اتخذ أصناماً على صور الكواكب ويعبدها على ما هو دين عبدة الكواكب انتهى.
ولذلك قال:{أنا ربكم الأعلى}[النازعات: ٢٤] ، - هكذا قيل،