{وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها}[الأعراف: ٩٤] إلى آخره، وتسلية لهذا النبي الكريم وترهيباً لقومه لما وقع لهم من العقاب الأليم، والفصل بين الساقين يدق إلا عن أولي البصائر - والله أعلم، فيكون المراد بتفصيل الأربعين هنا بيان أن إبطاء موسى عليه السلام عما علموه من المعياد إنما كان لعشرة أيام، فارتكبوا فيها هذه الجريمة التي هي أعظم الجرائم، وأشار تعالى إلى عظيم جرأتهم وعراقتهم في السفه بقوله عاطفاً على {واعدنا} : {وقال موسى} أي لما واعدناه {لأخيه} ثم بينه تصريحاً باسمه فقال: {هارون اخلفني} أي كن خليفتي فيهم تفعل ما كنت أفعل، وأكد الارتسام بما يجده له بقوله:{في قومي} وأشار إلى حثه على الاجتهاد بقوله: {وأصلح} أي كن على ما أنت عليه من إيقاع الإصلاح.
ولما كان عالماً بأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مبرأ من السوء غير أن عنده ليناً قال:{ولا تتبع} أي تكلف نفسك غير ما طبعت عليه بأن تتبع {سبيل المفسدين*} أي استصلاحاً لهم وخوفاً من تنفيرهم، فاختلفوا عن الطريق كما تفرس فيهم موسى عليه السلام ولم يذكروا عاقبة فلا هم خافوا بطش من بطش بمن كان يسومهم سوء العذاب، ولا هم سمعوا لأخيه في الصلاح، ولا هم انتظروا عشرة أيام، فلا أخف منهم أحلاماً ولا أشد على المعاصي إقداماً.