ولما وصفهم بهذه الكثرة، وكان ذلك مجرى لذكر الإنعام عليهم بالكفاية في الأكل والشرب، ذكر نعمة خارقة للعادة في الماء، وبدأ به لأنه الأصل في الحياة، وهي من نوع تقسيمهم من نفس واحدة مشيرة إلى ظلمهم وإسراعهم في المروق فقال:{وأوحينا إلى موسى إذ} أي حين {استسقاه قومه} أي طلبوا منه برية لا ماء بها أن يسقيهم، وذلك في التيه، والتعبير بالقوم إشارة إلى تبكيتهم بكونهم أهل قوة ولم يتأسوا بموسى عليه السلام في الصبر إلى أن يأتي الله الذي أمرهم بهذا المسير بالفرج، بل طلبوا منه ذلك على الوجه المذكور في البقرة من إظهار القلق والدمدمة {أن اضرب بعصاك} أي التي جعلناها لك آية وضربت بها البحر فانفلق {الحجر} أي أيّ حجر أردته من هذا الجنس؛ وبين سبحانه سرعة امتثال موسى عليه السلام وسرعة التأثير عن ضربه بحذف: فضربه، وقوله مشيراً إليه:{فانبجست} أي فانشقت وظهرت ونبعت، وذلك كاف في تعنيفهم وذمهم على كفرهم بعد المن به، وهذا السياق الذي هو لبيان إسراعهم في المروق هو لا ينافي أن يكون على وجه الانفجار، ويكون التعنيف حينئذ أشد {منه اثنتا عشرة عيناً} على عدد الأسباط، وأشار إلى شدة تمايزها بقوله؛ {قد علم كل أناس} أي من الأسباط {مشربهم} ولما لم يتقدم للأكل ذكر ولا كان هذا سياق الامتنان، لم يذكر ما أتم هذه الاية به في البقرة.