بعدين عن الرحمة كما يبعد الكلب. ولما تبين بما مضى من جرأتهم على المعاصي وإسراعهم فيها استحقاقهم لدوام الخزي والصغار، أخبر أنه فعل بهم ذلك على وجه موجب للقطع بأنهم مرتبكون في الضلال، مرتكبون سيىء الأعمال، ما دام عليهم ذلك النكال، فقال:{وإذ} وهو عطف على {وسئلهم} أي واذكر لهم حين {تأذن} أي أعلم إعلاماً عظيماً جهراً معتنى به {ربك} أي المربي لك والممهد لأدلة شريعتك والناصر لك على من خالفك.
ولما كان ما قيل جارياً مجرى القسم، تلقى بلامه، فكان كأنه قيل: تاذن مقسماً بعزته وعظمته وعلمه وقدرته: {ليبعثن} أي من مكان بعيد، وأفهم أنه بعث عذاب بأداة الاستعلاء المفهمة لأن المعنى: ليسلطن {عليهم} أي اليهود، ومد زمان التسليط فقال:{إلى يوم القيامة} الذي هو الفيصل الأعظم {من يسومهم} أي ينزل بهم دائماً {سوء العذاب} بالإذلال والاستصغار وضرب الجزية والاحتقار، وكذا فعل سبحانه فقد سلط عليهم الأمم ومزقهم في الأرض كل ممزق من حين أنكروا رسالة المسيح عليه السلام، كما أتاهم به الوعد الصادق في التوارة، وترجمة ذلك موجودة بين أيديهم الآن في قوله في آخر السفر الأول: لا يزول القضيب من آل يهودا، لا يعدم سبط يهودا ملكاً مسلطاً واتخاذه نبياً مرسلاً ختى يأتي الذي له الملك - وفي نسخة: