وجدت الألسنة والأشخاص؛ ثم ذكر أن النفوس فطرت على معرفة الأشياء على ما هي عليه لقرب الاستعداد للإدراك.
ولما تبين أنه فرد لا شريك له فلا راد لأمره، وأنه رب فلا أرأف منه ولا أرحم، كان ذلك أدعى إلى طاعته خوفاً من سطوته ورجاء لرحمته، فكانوا بذلك بمنزلة من سئل عن الحق فأقر به، فلذلك قال:{ألست بربكم} أي المحسن إليكم بالخلق والتربية بالرزق وغيره {قالوا بلى شهدنا} أي كان علمنا بذلك علماً شهودياً، وذلك لأنهم وصلوا بعد البيان إلى حد لا يكون فيه الجواب إلا ذلك فكأنهم قالوه؛ فهو - والله أعلم - من وادي قوله تعالى {ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً}[الرعد: ١٥]- الآية و {لله يسجد ما في السماوات والأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون}[النحل: ٤٩] .
ولما كان كأنه قيل: لم فعل ذلك؟ قيل: دلالة على أن المتقدم إنما هو على طريق التمثيل يجعل تمكينهم من الاستدلال كالإشهاد، فعله كراهة {أن تقولوا يوم القيامة} أي إن لم ينصب لهم الأدلة {إنا كنا عن هذا} أي وحدانيتك وربوبيتك {غافلين*} أي لعدم الأدلة فلذلك أشركنا {أو تقولوا} أي لو لم نرسل إليهم الرسل {إنما أشرك آباؤنا من قبل} أي من قبل أن نوجد