ولما كان تعالى قد أعطاه من إجابة الدعاء وصحة الرؤيا وغير ذلك مما شاء سبحانه أمراً عظيماً بحيث دله تعالى دلالة لا شك فيها، وكانت الآيات كلها متساوية الأقدام في الدلالة وإن كان بعضها أقوى من بعض، قال تعالى:{آياتنا} وهو بلعام من غير شك للسباق واللحاق، وقيل: وهو رجل بعثه موسى عليه السلام إلى ملك مدين فرشاه فتبع دينه فافتتن به الناس، وقيل: هو أمية بن أبي الصلت الثقفي الذي قال فيه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «آمن شعره وكفر قلبه» قاله عبد الله بن عمرو وسعيد بن المسيب وزيد ابن أسلم، وقيل: هو أبو عامر الراهب الذي سماه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفاسق، وقيل: نزلت في منافقي أهل الكتاب كانوا يعرفون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنكروه.
ولما كان الذي جرأهم على عظمته سبحانه ما أنعم عليهم به من إعطاء الكتاب ظناً منهم أنه لا يشقيهم بعد ذلك، رهبهم ببيان أن الذي سبب له هذا الشقاء هو إيتاء الآيات فقال:{فانسلخ منها} أي فارقها بالكيلة كما تنسلخ الحية من قشرها، وذلك بسبب أنه لما كان مجاب الدعوة سأله ملك زمانه الدعاء على موسى وقومه فامتنع فلم يزل يرغبه حتى خالف أمر الله اتباعاً لهوى نفسه، فتمكن من الشيطان وأشار عليه أن يرسل إليهم النساء مزينات ويأمرهن أن لا يمتنعن من أحد، فأشقاه الله، وهذا معنى {فأتبعه الشيطان} أي فأدركه مكره فصار قريناً له