{هواه} فأعرض عن التمسك بما آتاه الله من الآيات مقدماً لداعي نفسه على داعي روحه، لأن القلب الذي هو نتيجتهما في عالم الأمر له وجهان: وجه إلى الروح العلوي الروحاني الذي هو الأب، وله الذكورة المناسبة للعلو؛ ووجه إلى النفس التي هي الروح الحيواني التي هي الأم ولها المناسبة للأرض بالأنوثة وبأن أصلها من التراب الذي له الرسوب بوضع الجبلة فالتقدير: فحط نفسه حطّاً عظيماً، لأنا لم نشأ رفعه بما أعطيناه من الآيات، وإنما جعلناه وبالاً عليه، فلا يغتر أحد بما أوتي من المعارف، وما حاز من المفاخر واللطائف، فإن العبرة بالخواتيم، ولنا بعد ذلك أن نفعل ما نشاء.
ولما كان هذا حاله، تسبب عنه أن قال تعالى:{فمثله} أي مع ما أوتي من العلم في اتباعه لمجرد هواه من غير دليل بعد الأمر بمخالفة الهوى {كمثل الكلب} أي في حال دوام اللهث.
ولما كان كأنه قيل: مثله في أيّ أحواله؟ قال: في كونه {إن تحمل عليه} أي لتضربه {يلهث أو تتركه يلهث} فإن أوجب لك الحمل عليه ظن أن لهثه لما حاول من ذلك التعب ردك عنه لهثه في الدعة، فتعلم حينئذ أنه ليس له سبب إلا اتباع الهوى، فتابع الهوى مثل الكلب كما بين، ومثال هذا المنسلخ الجاهل الذي لا يتصور أن يتبع غير الهوى، لأنه يتبع الهوى مع إيتاء الآيات فبعد الانسلاخ منها أولى، فقد وضح تشبيه مثله بمثل الكلب، لا تشبيه مثله بالكلب؛ وهذه القصة تدل على