مع انتقالهم إلى أشد الأمور: السيف الماحق على تهالكهم على قهره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى ما لهم من فرط الأنفة من العار والبعد مما يقضي عليهم بالغلب أو أن يوصفوا بالكذب - إلا علمهم بأن ذلك فاضحهم، ومخزيهم مدى الدهر وقائحهم، والمعنى أني أثبت هذا النبي الكريم على صبره على ذلك ومثابرته على أداء الأمانة بالاجتهاد في النصيحة على ما يلقى إن نجيته منهم ومنعته من جميع ما كادوه به، وكنت لا أزل أؤيده باتباع من أعلم فيه الخير إلى أن هيأت له داراً وخبأت له أنصاراً، وجعلت داره بالأصحاب منيعة، وبنيت لها أعمدة بصوارم الأحباب ثابتة رفيعة، نقلته إلى ذلك مع اجتهاد أهل العناد وهم جميع أهل الأرض في المنع، فلم يؤثر كيدهم، ولا أفادهم مع أيدي أيدهم، وجعلت نفس نقلته له فرقاناً يفرق بها بين الحق والباطل، وصار إلى ما ترون من قبول الأمر وجلالة القدر ونفاذ الفصل بين الأمور وظهر دينه أيّ ظهور، فلازموا التقوى ملازمته وداوموا على الطاعة مدوامته أهب لكم من سيادته وأحملكم بملابس إمامته.
ولما كان ذلك موضع عجب من عدم إعجال الضُلال بالعذاب وإمهالهم إلى أن أوقع بهم في غزوة بدر لا سيما مع قوله {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} بيّن السر في ذلك وإن بالغوا في استعجاله