لم يرسخ الإيمان في قلبه ممن آمن ولم يهاجر أو من اليهود المصارحين بالكفر حين يرون الكفار وقوتهم وكثرتهم والمؤمنين وضعفهم وقلتهم {غرَّ هؤلاء} مشيرين إليكم {دينهم} أي في إقدامهم على ما يقطع فيه بهلاكهم ظناً منهم أن الله ناصرهم وهم ثلاثمائة وبضعة عشر إلى زهاء ألف ملوك العرب، فيغيظكم ذلك، فكذبهم الله وصدق أمركم بتوكلكم عليه وصبركم على دينكم {ومن} أي قالوا ذلك عالمين بأنكم متوكلون عليه وصبركم على دينكم {ومن} أي قالو ذلك عالمين بأنكم متوكلون على من تدينون له والحال أنه من {يتوكل على الله} أي الذي له الإحاطة الشاملة، فهو يفعل ما يشاء منكم ومن غيركم بشرطه من الإيمان والسعي في الطاعة كما فعلتم فإنه معز ومكرم.
ولما كان سبحانه محيطاً بكل صفة كمال على الإطلاق من غير قيد توكل ولا غيره، أظهر تعالى فقال عاطفاً على تقديره: فإن الله قادر على نصره: {فإن الله} أي الذي له الكمال المطلق {عزيز} أي غالب لكل من يغالبه فهو جدير بنصره {حكيم*} أي متقن لأفعاله فهو حقيق بأن يأخذ عدو المتوكل عليه من الموضع الذي لا ينفعه فيه حيلة.
ولما ذكر ما سرّهم من حال أعدائهم المجاهرين والمساترين في الدنيا مرصعاً ذلك بجواهر الحكم وبدائع الكلم التي بملازمتها تكون السعادة وبالإخلال بها تحل الشقاوة، أتبعه ما يسرهم من حال أعدائهم عند الموت وبعده، فقال مخاطباً لمن لو كشف الغطاء لم يزدد يقيناً، حادياً بتخصيصه بالخطاب كل سامع على قوة اليقين ليؤهل لمثل هذا الخطاب