العرب إذا فرغت من حجها اجتمعت إليه، فحرم الأشهر الحرم الأربعة، فإذا أرادوا أن يحل منها شيئاً أحل المحرم فأحلوه، وحرم مكانه صفراً فحرموه، ليواطئوا عدة الأربعة الأشهر الحرم، فإذا أرادوا الصدر قام فيهم فقال: اللهم إني قد أحللت لهم أحد الصفرين الصفر الأول، ونسأت الآخر للعام المقبل - ذكر ذلك أهل السير، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن أول من نسأ عمرو بن لحي.
وتحقيق معنى ما كانت العرب تفعله واختلاف أسماء الشهور به حتى يوجب دوران السنين فلا تصادف أسماء الشهور مسمياتها إلا الحين بعد الحين عسر قل من اتى فيه بما يتضح به قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجة الوداع كما مضى «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض» وها أنا أذكر فيه ما لا يبقى بعده لبس إن شاء الله تعالى، فمعنى قوله: ونسأت الآخر للعام المقبل، أنه إذا أحل المحرم وسماه صفراً ابتدأ السنة بعده بالمحرم ثم صفر إلى آخرها، فيصير بين صفر وذي الحجة الذي وقع النسيء فيه شهران، وقد كان ينبغي ان يكون بينهما شهر واحد، فأخر هذا الذي ينبغي إلى العام المقبل، فالمعنى: وأخرت الصفر الآخر عن محله إلى العام المقبل فإذا جاء العام المقبل انتهى تأخره، وإذا انتهى رجع إلى محله، ويمكن أن يتنزل على هذا قول أبي عبيد