وأكف عن فجورهم، وحقيقة الغلطة في الأجسام، استعيرت هنا للشدة في الحرب، وهي تجمع الجراءة والصبر على القتال وشدة العدواة، فإذا فعلوا ذلك كانوا جامعين بين جهاد الحجة والسيف كما قيل:
من لا يعدله القرآن كان له ... من الصغار وبيض الهند تعديل
نبه على ذلك أبو حيان.
ولما كان التقدير: وليكن كل ذلك مع التقوى لا بسبب مال ولا جاه فإنها ملاك الأمر كله، قال منبهاً على ذلك بقوله:{واعلموا أن الله} أي الذي له الكمال كله {مع المتقين*} فلا تخافوا أن يؤدي شيء من مصاحبتها إلى وهن فإن العبرة بمن كان الله معه.
ولما ذكر هذه السورة أي الطائفة الحاضة بصيغة «لولا» على النفر مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الآمرة بجهاد الكفار والغلظة عليهم، وكان لا يحمل على ذلك إلا ما أشار إليه ختم الآية السالفة من التقوى بتجديد الإيمان كلما نزل شيء من القرآن، وكان قد ذكر سبحانه المخالفين لأمر الجهاد بالتخلف دون أمر الإيمان حين قال {وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولوا الطول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين} التفت إلى ذلك ليذكر القسم الآخر وهو القاعد عن الإيمان فقال: {وإذا} وأكد بزيادة النافي تنبيهاً على فضل الإيمان